خواطر تقرع الأجراس / المثلث المتساوي الأضلاع وشيخوخة الإبداع
بقلم: مصطفى سليمان
كاتب سوري
كاتب سوري
هل للفكر شيخوخة ؟
وهل للإبداع عمر؟
متى وكيف يبدع المفكرون والشعراء والفنانون؟
ومتى ينطفئ الإبداع ؟
يقول الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي
عمري بعقلي لا بعدّ سنيني
فَلأَهْزَأَنَّ غداً من التسعين
فالعمر الحقيقي للإنسان إذاً هو عمر العقل المفكر الحيّ المتجدد، وليس عمر السنوات، العمر العقلي وليس العمر الزمني، ليس عمر العقل دون خرف أو جنون، بل صحوة التفكير والإبداع.
كتب ميخائيل نعيمة «ناسك الشخروب»، سيرة حياته بعنوان «سبعون» عندما بلغ السبعين من العمر الزمني، ظانّاً أنه سيودّع الحياة بُعَيدَ هذا العمر، لكنه عاش حتى التاسعة والتسعين زمنياً، وبقي عقلياً يبدع حتى الرمق الأخير، ففكرُه لم يمت، في الوقت الذي عاش كثير من المبدعين ما يقارب هذا العمر زمنياً، لكنهم ماتوا عقلياً، بل فكرياً، قبل عقود من عمرهم الزمني!
الموت العقلي «إلزهايمر» خرف عضوي يصيب الدماغ، والموت الفكري خرف إبداعي يصيب العقل المفكّر.
قد يتوهّج الفكر بدفقة إبداعية مبكِّرة في عمر زمني مبكر، ثم لا يلبث أن ينطفئ لأن الدماغ عجز عن تحمُّل هذا التوهُّج الإبداعي الدفّاق، كما حدث مع أبي تمام الذي تنبّأ له الفيلسوف الكِندي قائلاً: «هذا الفتى لا يعيش طويلاً»، عندما رأى منه مرأى عجباً في سرعة حافظته الخارقة، في اللقاء الأول له مع البحتري في القصة الشهيرة المعروفة. ومات أبو تمام في الخامسة والأربعين بعد أن أعطى للشعر العربي روائع خالدة.
وها هو الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل ما يزال، كنا معه أو عليه، مثالاً نادراً لشباب الفكر المتجدد المبدع في تحليل شمولي موثَّق وقد شارف على التسعين.
عمري بعقلي لا بعدّ سنيني
فَلأَهْزَأَنَّ غداً من التسعين
فالعمر الحقيقي للإنسان إذاً هو عمر العقل المفكر الحيّ المتجدد، وليس عمر السنوات، العمر العقلي وليس العمر الزمني، ليس عمر العقل دون خرف أو جنون، بل صحوة التفكير والإبداع.
كتب ميخائيل نعيمة «ناسك الشخروب»، سيرة حياته بعنوان «سبعون» عندما بلغ السبعين من العمر الزمني، ظانّاً أنه سيودّع الحياة بُعَيدَ هذا العمر، لكنه عاش حتى التاسعة والتسعين زمنياً، وبقي عقلياً يبدع حتى الرمق الأخير، ففكرُه لم يمت، في الوقت الذي عاش كثير من المبدعين ما يقارب هذا العمر زمنياً، لكنهم ماتوا عقلياً، بل فكرياً، قبل عقود من عمرهم الزمني!
الموت العقلي «إلزهايمر» خرف عضوي يصيب الدماغ، والموت الفكري خرف إبداعي يصيب العقل المفكّر.
قد يتوهّج الفكر بدفقة إبداعية مبكِّرة في عمر زمني مبكر، ثم لا يلبث أن ينطفئ لأن الدماغ عجز عن تحمُّل هذا التوهُّج الإبداعي الدفّاق، كما حدث مع أبي تمام الذي تنبّأ له الفيلسوف الكِندي قائلاً: «هذا الفتى لا يعيش طويلاً»، عندما رأى منه مرأى عجباً في سرعة حافظته الخارقة، في اللقاء الأول له مع البحتري في القصة الشهيرة المعروفة. ومات أبو تمام في الخامسة والأربعين بعد أن أعطى للشعر العربي روائع خالدة.
وها هو الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل ما يزال، كنا معه أو عليه، مثالاً نادراً لشباب الفكر المتجدد المبدع في تحليل شمولي موثَّق وقد شارف على التسعين.
والشاعر الرومانسي الإنكليزي الشهير جون كيتس، ويُعد من كبار الشعراء،
ولد سنة 1795 وتوفي سنة 1821، وهو في السادسة والعشرين من عمره، بعد أن
خلَّف تراثاً شعرياً مبدعاً بوّأه منزلة رفيعة في الشعر الإنكليزي
والعالمي. ولا داعيَ لاستعراض نماذج كثيرة للتدليل على هذه الظاهرة
وتأكيدها ففي الأدب العربي والعالمي نماذج عديدة جداً.
يبقى الفكر مبدعاً، شاباً، متجدّداً مادام يتغذى بنسغ القراءة والتأمل وعشق الحرف بالكتابة المستمرة. والتأمل الصامت عليه أن يكون نوعاً من التفكير المبدع وليس تفكيراً في فراغ. التأمل بعد القراءة نوع من الكتابة الصامتة تختزن شحنة إبداع تتفجر فجأة قصيدةً أو لحناً أو رواية قصة أو لوحةً أوتمثالاً.
فكم كتاباً تقرأ كلَّ عام؟
سئل جورج برنارد شو عن سر إبداعه فقال: «ليس في الأمر سرٌّ فقط كنت أفكّر مرة واحدة… في الأسبوع»! فكم من مرةٍ نفكر… كلَّ عام؟
نحن العربَ-، وفي زحمة هذا العصر المتسارع، لا نقرأ ولا نفكر ولا نتأمل… فلا نبدع إلا قليلاً.
قد نتأمل بلا ذُخْرٍ من قراءة، وقد نقرأ بلا تأمل، ولا تفكير. وقد نقرأ ونتأمل ونفكر ولا نبدع، لا بد من القراءة الجادة المنظمة، ثم التأمل العميق، والتفكًّر الخلاق، ثم الإبداع.
معاشرة الحرف والورق، قراءةً وكتابةً، المدارج الأولى للإبداع في ما بعد، لذلك ترى الأمم المتحضرة تهيئ لأطفالها كتيباتٍ خاصة، لكتابة مذكراتهم اليومية مهما كانت عفوية وفطرية وبدائية، هذه هي الحبْوة الأولى للسير في طريق الإبداع مستقبلاً. فالحرف عشق، والورق عشق، والتأمل والتفكير عشق، ثم يأتي الإبداع: كتابة أو نحتاً أو رسماً أو لحناً…
تسأل عن الموهبة؟ فاقرأ ما قاله إديسون- الذي أضاء العالم- عندما سئل عن عبقريته: «العبقرية خمسة في المئة موهبة، وخمسة وتسعون في المئة عمل منظّم وجهد دائب».
لكن متى يشيخ الإبداع، خاصة في المجتمع العربي، وفي بعض المجتمعات التي ابتُليَتْ بمثل ما ابتُلي به العرب؟
هناك مثلث متساوي الأضلاع للإبداع و الشرط الجوهري لقيام جميع الأضلاع مستقيمةَ المسار: زوايا الحرية فلا تقوم الأضلاع إلا بها وعليها، إذا سقطت زاوية منها تداعت لها سائر الأضلاع «بالسهر والحمّى»… وتهاوت. هكذا يشيخ الإبداع: عندما تشيخ الحرية! بها يبقى العقل متجدداً مبدعاً، لا يعرف شيخوخة ولا خرفاً.
فاقرأْ، تأملْ، فكَّرْ، كن حراً، واكتب! تصبحْ مبدعاً، لكنْ من دون رقابة، من دون زوّار فجرٍ وظهرٍ وعشيّةٍ وضحاها، من دون مقص مسنون بالدم، يقص الورق والحرف… واللسان، من دون سيف «حَجّاج « مشحوذٍ بالرُّعب، يجدع الأنوف، ويجزُّ الِّرقاب، ويصلم الآذان!
جريدة الرأى
يبقى الفكر مبدعاً، شاباً، متجدّداً مادام يتغذى بنسغ القراءة والتأمل وعشق الحرف بالكتابة المستمرة. والتأمل الصامت عليه أن يكون نوعاً من التفكير المبدع وليس تفكيراً في فراغ. التأمل بعد القراءة نوع من الكتابة الصامتة تختزن شحنة إبداع تتفجر فجأة قصيدةً أو لحناً أو رواية قصة أو لوحةً أوتمثالاً.
فكم كتاباً تقرأ كلَّ عام؟
سئل جورج برنارد شو عن سر إبداعه فقال: «ليس في الأمر سرٌّ فقط كنت أفكّر مرة واحدة… في الأسبوع»! فكم من مرةٍ نفكر… كلَّ عام؟
نحن العربَ-، وفي زحمة هذا العصر المتسارع، لا نقرأ ولا نفكر ولا نتأمل… فلا نبدع إلا قليلاً.
قد نتأمل بلا ذُخْرٍ من قراءة، وقد نقرأ بلا تأمل، ولا تفكير. وقد نقرأ ونتأمل ونفكر ولا نبدع، لا بد من القراءة الجادة المنظمة، ثم التأمل العميق، والتفكًّر الخلاق، ثم الإبداع.
معاشرة الحرف والورق، قراءةً وكتابةً، المدارج الأولى للإبداع في ما بعد، لذلك ترى الأمم المتحضرة تهيئ لأطفالها كتيباتٍ خاصة، لكتابة مذكراتهم اليومية مهما كانت عفوية وفطرية وبدائية، هذه هي الحبْوة الأولى للسير في طريق الإبداع مستقبلاً. فالحرف عشق، والورق عشق، والتأمل والتفكير عشق، ثم يأتي الإبداع: كتابة أو نحتاً أو رسماً أو لحناً…
تسأل عن الموهبة؟ فاقرأ ما قاله إديسون- الذي أضاء العالم- عندما سئل عن عبقريته: «العبقرية خمسة في المئة موهبة، وخمسة وتسعون في المئة عمل منظّم وجهد دائب».
لكن متى يشيخ الإبداع، خاصة في المجتمع العربي، وفي بعض المجتمعات التي ابتُليَتْ بمثل ما ابتُلي به العرب؟
هناك مثلث متساوي الأضلاع للإبداع و الشرط الجوهري لقيام جميع الأضلاع مستقيمةَ المسار: زوايا الحرية فلا تقوم الأضلاع إلا بها وعليها، إذا سقطت زاوية منها تداعت لها سائر الأضلاع «بالسهر والحمّى»… وتهاوت. هكذا يشيخ الإبداع: عندما تشيخ الحرية! بها يبقى العقل متجدداً مبدعاً، لا يعرف شيخوخة ولا خرفاً.
فاقرأْ، تأملْ، فكَّرْ، كن حراً، واكتب! تصبحْ مبدعاً، لكنْ من دون رقابة، من دون زوّار فجرٍ وظهرٍ وعشيّةٍ وضحاها، من دون مقص مسنون بالدم، يقص الورق والحرف… واللسان، من دون سيف «حَجّاج « مشحوذٍ بالرُّعب، يجدع الأنوف، ويجزُّ الِّرقاب، ويصلم الآذان!
جريدة الرأى
0 التعليقات:
إرسال تعليق
قال تعالى( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )صدق الله العظيم
تعليقاتكم تهمنا وتزيد من عطائنا